مالذي حصل للديمقراطية
كانت الديمقراطية هي الفكرة السياسية الأكثر نجاحاً في القرن العشرين. لماذا واجهت المشاكل، ومالذي يمكن فعله لإحيائها؟
إن المتظاهرين الذين قلبوا سياسة أوكرانيا لديهم الكثير من التطلعات لبلادهم. دعت لائحتهم إلى إقامة علاقات أوثق مع الاتحاد الأوروبي، ووضع حد للتدخل الروسي في السياسات الأوكرانية، وتأسيس حكومة نظيفة مكان حكومة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش الفاسدة. لكن مطلبهم الأساسي هو الذي شجع الناس على مدى عقود كثيرة لاتخاذ موقف ضد الحكومات الفاسدة والمستبدة. إنهم يريدون تأسيس ديمقراطية قائمة على أسس وقواعد.
ومن السهل فهم لماذا. إن الديمقراطيات في المتوسط هي أكثر ثراءً من الدول الغير ديمقراطية، وهي أقل احتمالاً لخوض الحروب، كما أنها تتمتع بسجل أفضل في مكافحة الفساد. والأهم من ذلك هو أن الديمقراطية تسمح للناس بالتعبير عن آرائهم وتشكيل مستقبلهم ومستقبل أبنائهم. إن استعداد الكثير من الناس في أنحاء العالم على المخاطرة بالكثير من أجل هذه الفكرة هو شهادة على جاذبيتها الدائمة.
إلا أن البهجة التي تولدها أحداث مثل تلك التي شهدتها كييف [عاصمة أوكرانيا] هذه الأيام تمتزج بالقلق والخوف، وذلك لأن نمطاً مثيراً للقلق يتكرر في عاصمة تلو الأخرى. يتجمع الناس في الساحة الرئيسية. ثم يحاول السفاحين المدعومين من النظام [القمعي] الرد لكنهم يفقدون أعصابهم في مواجهة التغطية الإخبارية العالمية والتعنت الشعبي والغضب. إن العالم يشيد بانهيار النظام [الديكتاتوري] ويعرض المساعدة في بناء الديمقراطية. لكن تبين أن طرد حاكم مستبد أسهل بكثير من تشكيل حكومة ديمقراطية قادرة على البقاء. يتعثر النظام الجديد، وينهار الاقتصاد، وتجد البلاد نفسها في حالة سيئة على الأقل كما كانت عليه من قبل. وهذا ما حدث في أغلب ثورات الربيع العربي، وأيضاً في الثورة البرتقالية في أوكرانيا قبل عقد من الزمان. في عام 2004، أُطيح بيانوكوفيتش من منصبه بسبب احتجاجات كبيرة في شوارع البلاد، ليتم إعادة انتخابه للرئاسة (بمبالغ كبيرة من الأموال الروسية) في عام 2010، بعد أن تبين أن السياسيين المعارضين الذين أصبحوا مكانه كانوا يائسين تماماً ومحبطين.
بين عامي 1980 و 2000، لم تشهد قضية الديمقراطية سوى عدد قليل من النكسات، ولكن منذ عام 2000 كانت هناك العديد من النكسات
إن الديمقراطية تمر بوقت عصيب. وفي الأماكن التي طُرِدَّ فيها المستبدين من مناصبهم، فشل خصومهم في الغالب من إنشاء أنظمة ديمقراطية واضحة وقابلة للإستمرار. وحتى في الديمقراطيات الراسخة، أصبحت عيوب النظام واضحة بشكل كبير ومثير للقلق، وانتشرت خيبة الأمل في السياسة. ومع ذلك، قبل بضع سنوات فقط، بدت الديمقراطية وكأنها ستهيمن على العالم.
في النصف الثاني من القرن العشرين، ترسخت الديمقراطيات في أصعب الظروف الممكنة - في ألمانيا، التي أصيبت بصدمة النازية، وفي الهند، التي كان بها أكبر عدد من السكان الفقراء في العالم، وفي التسعينيات، في جنوب أفريقيا، التي شوهها الفصل العنصري. أدى إنهاء الاستعمار إلى ظهور مجموعة من الديمقراطيات الجديدة في أفريقيا وآسيا، وأفسحت الأنظمة الاستبدادية الطريق للديمقراطية في اليونان (1974)، وأسبانيا(1975)، والأرجنتين (1983)، والبرازيل (1985)، وتشيلي (1989). لقد أدى انهيار الاتحاد السوفييتي إلى ظهور العديد من الديمقراطيات الحديثة في وسط أوروبا. وبحلول عام 2000، قامت مؤسسة فريدوم هاوس، وهي مؤسسة فكرية أمريكية، قامت بتصنيف 120 دولة، أو 63% من إجمالي العالم، على أنها ديمقراطيات.
في تلك السنة ، اجتمع ممثلو أكثر من 100 دولة في المنتدى العالمي للديمقراطية في وارسو ليعلنوا أن "إرادة الشعب" هي "أساس سلطة الحكومة". أعلن تقرير صدر من وزارة الخارجية الأميركية أنه بعد أن شهدنا "تجارب فاشلة" مع أشكال الحكم الاستبدادي والشمولي، "يبدو أن الديمقراطية الآن، وبعد طول انتظار، انتصرت".
ومن المؤكد أن مثل هذه الغطرسة كانت مفهومة بعد هذه السلسلة من النجاحات. ولكن إذا نظرنا إلى الوراء، فإن انتصار الديمقراطية يبدو أقل احتمالاً. بعد سقوط أثينا، حيث تم تطوير النظام الديموقراطي لأول مرة، بقي النموذج السياسي في سبات عميق حتى عصر التنوير بعد أكثر من 2000 سنة. في القرن الثامن عشر وحدها الثورة الأمريكية هي التي أنتجت ديمقراطية مستمرة.
خلال القرن التاسع عشر، خاض الملكيون حرباً طويلة الأمد ضد القوى الديمقراطية. في النصف الأول من القرن العشرين انهارت الديمقراطيات الحديثة في ألمانيا واسبانيا وإيطاليا. بحلول عام 1941، لم يتبق سوى 11 دولة ديمقراطية، وكان فرانكلين روزفلت يشعر بالقلق من أنه قد لا يكون من الممكن حماية "شعلة الديمقراطية العظيمة من تلاشي البربرية"
لقد توقف التقدم الذي شهدناه في أواخر القرن العشرين في القرن الحادي والعشرين. بالرغم من أن حوالي 40% من سكان العالم، وهو عدد أكبر من أي وقت مضى، يعيش في بلدان من المقرر أن تعقد انتخابات حرة ونزيهة هذا العام، إن التقدم العالمي للديمقراطية توقف، بل وربما اتجه إلى الاتجاه المعاكس. تعتقد مؤسسة فريدوم هاوس أن عام 2013 كان العام الثامن على التوالي الذي تراجعت فيه الحرية العالمية، وأن مسيرتها للأمام بلغت ذروتها في بداية القرن تقريباً. بين عامي 1980 و 2000، لم تشهد قضية الديمقراطية سوى عدد قليل من النكسات، ولكن منذ عام 2000 كانت هناك العديد من النكسات. والمشاكل التي تواجهها الديمقراطية أعمق مما توحي به الأرقام المجردة. لقد انزلقت العديد من الديمقراطيات الاسمية نحو الاستبداد، وحافظت على المظهر الخارجي للديمقراطية من خلال الانتخابات، ولكن من دون الحقوق والمؤسسات التي تعتبر جوانب لا تقل أهمية في أي نظام ديمقراطي فعال.
إن الإيمان بالديمقراطية يشتعل في لحظات الانتصار، مثل الإطاحة بالأنظمة التي لا تحظى بشعبية في القاهرة أو كييف، ثم يتلاشى مرة أخرى. خارج دول الغرب، غالباً ما تتقدم الديمقراطية حتى تنهار. وفي داخل الدول الغربية، أصبحت الديمقراطية في كثير من الأحيان مرتبطة بالديون والخلل الوظيفي في الداخل والتوسع في الخارج. لقد كان للديمقراطية منتقدوها دائماً، ولكن الآن أصبح من الممكن التعامل مع الشكوك القديمة باحترام متجدد بعد أن أصبحت نقاط ضعف الديمقراطية في معاقلها الغربية، وهشاشة نفوذها، واضحة على نحو متزايد، في أماكن أخرى. لماذا فقدت الديمقراطية زخمها في التقدم؟